فصل: مقتل مرداويج وملك أخيه وشمكير من بعده.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.استيلاء ابن بويه على أرجان وأخواتها ثم على شيراز وبلاد فارس.

ولما بلغ خبر أصفهان إلى مرداويج اضطرب وكتب إلى عماد الدولة بن بوبه يعاتبه ويستميله ويطلب منه إظهار طاعته ويمده بالعساكر في البلاد والأعمال ويخطب له فيها وجهز له أخاه وشمكير في جيش كثيف ليكبسه وهو مطمئن إلى تلك الرسالة وشعر ابن بويه بالمكيدة فرحل عن أصفهان بعد أن جباها شهرين وسار إلى أرجان وكان أبو بكر بن ياقوت من أصفهان واليا عليها ففصل عنها ولما ملك ابن بويه أرجان كاتبه أهل شيراز يستدعونه إليهم وعليهم يومئذ ياقوت عامل الخليفة وثقلت وطأته عليهم وكثر ظلمه فاستدعوا ابن بويه وخام عن المسير إليهم عادوا إليه الكتاب بالحث على ذلك وأن مرداويج طلب الصلح من ياقوت فعاجل الأمر قبل أن يجتمعا فسار إلى النوبندجان في ربيع سنة إحدى وعشرين وثلثمائة وسبقته إليها مقدمة ياقوت في ألفين من شجعان قومه فلما وافاهم ابن بويه انهزموا إلى كرمان وجاءهم ياقوت هنالك في جميع أصحابه وأقام عماد الدولة بالنوبندجان وبعث أخاه بركن الدولة الحسن إلى كازرون وغيرها من أعمال فارس فلقي هنالك عسكرا لياقوت فهزمهم وجبى تلك الأعمال ورجع إلى أخيه بالأموال ثم وقعت المراسلة بين مرداويج وياقوت في الصلح وسار وشمكير إليه عن أخيه فخشيهما عماد الدولة وسار من نوبندجان إلى اصطخر ثم إلى البيضاء وياقوت في اتباعه وسبقه ياقوت إلى قنطرة على طريق كرمان فصده عن عبوره واضطره للحرب فتحاربوا واستأمن جماعة من أصحاب ابن بويه إلى ياقوت فقتلهم فخشيه الباقون واستماتوا وقدم ياقوت أمام عسكره رجاله بقوار النفط فلما أشعلوها وقذفت أعادتها الريح عليهم فعلقت بهم فاضطربوا وخالطهم أصحاب ابن بويه في موقفهم وكانت الدبرة على ياقوت ثم صعد إلى ربوة ونادى في أصحابه بالرجوع فاجتمع إليه نحو أربعة آلاف فارس وأراد الحملة عليهم لاشتغالهم بالنهب ففطنوا له وتركوا النهب وقصدوه فانهزم واتبعوهم فاثخنوا فيهم وكان معز الدولة أحمد بن بويه من أشد الناس بلاء في هذه الحرب ابن تسع عشرة سنة لم يطر شاربه ثم رجعوا إلى السواد فنهبوه وأسروا جماعة منهم فأطلقهم ابن بويه وخيرهم فاختاروا المقام عنده فأحسن إليهم ثم سار إلى شيراز فأمنها ونادى بالمنع من الظلم واستولى على سائر البلاد وعرفوه بذخائر في دار الإمارة وغيرها من ودائع ياقوت وذخائر بني الصفار فنادى في الجند بالعطاء وأزاح عللهم وامتلأت خزائنه وكتب إلى الراضي وقد أفضت إليه الخلافة وإلى وزيره أبي علي بن مقلة تقرير البلاد عليه بألف ألف درهم فأجيب إلى ذلك وبعثوا إليه بالخلع واللواء وكان محمد بن ياقوت قد فارق أصفهان عند خلع القاهر وولاية الراضي ولقيت عشرين يوما دون أمير فجاء إليها وشمكير وملكها فلما وصل الخبر إلى مرداويج باستيلاء ابن بويه على فارس سار إلى أصفهان للتدبير عليه وبعث أخاه وشمكير إلى الري.

.استيلاء ماكان بن كالي على الري.

قد ذكرنا في دولة بني سامان أن أبا علي محمد بن الياس كان سنة اثنتين وعشرين وثلثمائة بكرمان منتقضا على السعيد فبعث إليه في هذه السنة جيشا كثيفا فاستولى على كرمان وأقام فيها الدعوة لابن سامان وكان أصل محمد بن الياس من أصحاب السعيد فسخطه وحبسه ثم أطلقه بشفاعة البلغمي وبعث مع صاحب خراسان محمد بن المظفر إلى جرجان حتى إذا خرج أخوه السعيد من محبسهم وبايعوا ليحيى منهم كان محمد بن الياس معهم حتى تلاشى أمرهم ففارقه ابن الياس من نيسابور إلى كرمان فاستولى عليها إلى هذه الغاية فأزاله عنها ماكان ولحق بالدينور وأقام ماكان واليا بكرمان بدعوة بني سامان.

.مقتل مرداويج وملك أخيه وشمكير من بعده.

لما استفحل أمر مرداويج كما قلنا عتا وتجبر وتتوج بتاج مرصع على هيئة تاج كسرى وجلس على كرسي الذهب وأجلس أكابر قواده على كراسي الفضة واعتزم على قصد العراق وبنى المدائن وقصور كسرى وأن يدعى بشاه وكان له جند من الأتراك كان كثير الإساءة إليهم ويسميهم الشياطين والمردة فثقلت وطأته على الناس وخرج ليلة الميلاد من سنة ثلاث وعشرين وثلثمائة إلى جبال أصفهان وكانوا يسمونها ليلة الوقود لما يضرم فيها من النيران فأمر بجمع الحطب على الجبل من أوله إلى آخره أمثال الجبال والتلال وجمع ألفي طائر من الغربان والحدآت وجعل النفط في أرجلها ليضرم الجبل نارا حتى يضيء الليل واستكثر من أمثال هذا اللعب ثم عمل سماطا للأكل بين يديه فيه مائة فرس ومائتا بقرة وثلاثة آلاف كبش وعشرة آلاف من الدجاج وأنواع الطير وما لا يحص من أنواع الحلوى وهيأ ذلك كله ليأكل الناس ثم يقوموا إلى مجلس الشرب والندمان فتشعل النيران ثم ركب آخر النهار ليطوف على ذلك كله بنفسه فاحتقره وسخط من تولى ترتيبه ودخل خيمته مغضبا ونام فأرجف القواد بموته فدخل إليه وزيره العميد وأيقظه وعرفه بما الناس فيه فخرج وجلس على السماط وتناول لقمتين ثم ذهب وعاد إلى مكانه فقام في معسكره بظاهر أصفهان ثلاثا لا يظهر للناس ثم قام في اليوم الرابع ليعود إلى قصره بأصفهان فاجتمعت العساكر ببابه وكثر صهيل الخيل ومراحها فاستيقظ لكثرة الضجيج فازداد غضبه وسأل عن أصحاب الدواب فقيل إنها للأتراك نزلوا للخدمة وتركوها بين يدي الغلمان فأمر أن تحل عنها السروج وتجعل على ظهور الأتراك ويقودونهم إلى اصطبلات الخيل ومن امتنع من ذلك ضرب فأمسكوا ذلك على أقبح الهيئات واصطنعوا ذلك عليه واتفقوا على الفتك به في الحمام وكان كورتكين يحرسه في خلواته وحمامه فسخطه ذلك اليوم وطرده فلم يتقدم إلى الحرس لمراعاته وداخلوا الخادم الذي يتولى خدمته في الحمام في أن يفقده سلاحه وكان يحمل خنجرا فكسر حديد الخنجر وترك النصاب لمرداويج فلم يجد له حدا فأغلق باب الحمام ودعمه من ورائه بسرير الخشب الذي كان صاعدا عليه فصعدوا إلى السطح وكسروا الجامات ورموه بالسهام فانحجر في زوايا الحمام وكسروا الباب عليه وقتلوه وكان الذي تولى كبر ذلك جماعة من الأتراك وهم توزون الذي صار بعد ذلك أمير الأمراء ببغداد ويارق بن بقراخان ومحمود بن نيال الترجمان ويحكم الذي ولي إمارة الأمراء قبل توزون ولما قتلوه خرجوا إلى أصحابهم فركبوا ونهبوا قصر مرداويج وهربوا وكان الديلم والجيل بالمدينة فركبوا في أثرهم فلم يدركوا منهم إلا من وقفت دابته فقتلوهم وعادوا لنهب الخزائن فوجدوا العميد قد أضرمها نارا ثم اجتمع الديلم والجيل وبايعوا أخاه وشمكير بن زيار وهم بالري وحملوا معهم جنازة مرداويج فخرج وشمكير وأصحابه لتلقيهما على أربع فراسخ حفاة ورجع العسكر الذي كان بالأهواز إلى وشمكير واجتمعوا عليه وتركوا الأهواز لياقوت فملكها وقام وشمكير بملك أخيه مرداويج في الديلم والجيل وأقام بالري وجرجان في ملكه وكتب السعيد بن سامان إلى محمد بن المظفر صاحب خراسان وإلى ماكان بن كالي صاحب كرمان بالمسير إلى جرجان والري فسار ابن المظفر إلى قومس ثم إلى بسطام وسار ماكان على المفازة إلى الدامغان واعترضه الديلم من أصحاب وشمكير في جيش كثيف فهزموهم ولحق بنيسابور آخر ثلاث وعشرين وثلثمائة وجعلت ولايتها لماكان بن كالي فأقام بها وسار أبو علي بن الياس إلى كرمان بعد انصراف ماكان عنها فملكها وصفت له بعد حروب شديدة طويلة مع جيوش السعيد بن سامان وكان له الظفر آخرا وأما الأتراك الذين قتلوا مرداويج فافترقوا في هزيمتهم فرقتين فسارت فرقة إلى عماد الدولة بن بويه وهم الأقل وفرقة إلى الجيل مع يحكم وهم الأكثر فجبوا خراج الدينور وغيره ثم ساروا إلى النهروان وكاتبوا الراضي في المسير إلى بغداد فأذن لهم واستراب الحجرية بهم فردهم الوزير ابن مقلة إلى بلد الجيل وأطلق لهم مالا فلم يرضوا به فكاتبهم ابن رائق وهو يومئذ صاحب واسط والبصرة فلحقوا به وقدم عليهم يحكم فكاتب الأتراك من أصحاب مرداويج فقدم عليه منهم عدة وافرة واختص يحكم وتولاه ونعته بالرائقي نسبة إليه وأمره أن يرسمها في كتابه.